سورة الفرقان - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفرقان)


        


{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كالأنعام بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} {أم} منقطعة معناه بل أتحسب كأن هذه المذمة أشد من التي تقدمتها حتى حقت بالإضراب عنها إليها وهي كونها مسلوبي الأسماع والعقول، لأنهم لا يلقون إلى استماع الحق أذناً ولا إلى تدبره عقلاً، ومشبهين بالأنعام التي هي مثل في الغفلة والضلالة فقد ركبهم الشيطان بالاستذلال لتركهم الاستدلال، ثم هم أرجح ضلالة منها لأن الأنعام تسبح ربها وتسجد له وتطيع من يعلفها وتعرف من يحسن إليها ممن يسيء إليها، وتطلب ما ينفعها وتجتنب ما يضرها وتهتدي لمراعيها ومشاربها، وهؤلاء لا ينقادون لربهم ولا يعرفون إحسانه إليهم من إساءة الشيطان الذي هو عدوهم، ولا يطلبون الثواب الذي هو أعظم المنافع، ولا يتقون العقاب الذي هو أشد المضار والمهالك، ولا يهتدون للحق الذي هو المشرع الهني والعذب الروي، وقالوا: للملائكة. روح وعقل، وللبهائم نفس وهوى، والآدمي مجمع الكل ابتلاء. فإن غلبته النفس والهوى فضلته الأنعام، وإن غلبته الروح والعقل فضل الملائكة الكرام. وإنما ذكر الأكثر لأن فيهم من لم يصده عن الإسلام إلا حب الرياسة وكفى به داء عضالاً ولأن فيهم من آمن.
{أَلَمْ تَرَ إلى رَبّكَ} ألم تنظر إلى صنع ربك وقدرته {كَيْفَ مَدَّ الظل} أي بسطه فعم الأرض وذلك من حين طلوع الفجر إلى وقت طلوع الشمس في قول الجمهور لأنه ظل ممدود لا شمس معه ولا ظلمة، وهو كما قال في ظل الجنة {وَظِلّ مَّمْدُودٍ} [الواقعة: 30] إذ لا شمس معه ولا ظلمة {وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِناً} أي دائماً لا يزول ولا تذهبه الشمس {ثُمَّ جَعَلْنَا الشمس عَلَيْهِ} على الظل {دَلِيلاً} لأنه بالشمس يعرف الظل ولولا الشمس لما عرف الظل فالأشياء تعرف بأضدادها {ثُمَّ قبضناه} أي أخذنا ذلك الظل الممدود {إِلَيْنَا} إلى حيث أردنا {قَبْضاً يَسِيراً} سهلاً غير عسير أو قليلاً قليلاً أي جزءًا فجزءا بالشمس التي تأتي عليه. وجاء ب {ثم} لتفاضل ما بين الأمور فكأن الثاني أعظم من الأول، والثالث أعظم من الثاني، شبه تباعد ما بينهما في الفضل بتباعد ما بين الحوادث في الوقت.


{وَهُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ اليل لِبَاساً} جعل الظلام الساتر كاللباس {والنوم سُبَاتاً} راحة لأبدانكم وقطعاً لأعمالكم، والسبت القطع والنائم مسبوت لأنه انقطع عمله وحركته. وقيل: السبات الموت والمسبوت الميت لأنه مقطوع الحياة وهو كقوله تعالى: {وَهُوَ الذى يتوفاكم باليل} [الأنعام: 60] ويعضده ذكر النشور في مقابلته {وَجَعَلَ النهار نُشُوراً} إذ النشور انبعاث من النوم كنشور الميت أن ينشر فيه الخلق للمعاش. وهذه الآية مع دلالتها على قدرة الخالق فيها إظهار لنعمته على خلقه لأن في الاحتجاب بستر الليل فوائد دينية ودنيوية، وفي النوم واليقظة المشبهين بالموت والحياة عبرة لمن اعتبر. وقال لقمان لابنه: كما تنام فتوقظ كذلك تموت فتنشر.
{وَهُوَ الذى أَرْسَلَ الرياح} {الريح} مكي والمراد به الجنس {بُشَرًا} تخفيف بشر جمع بشور {بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ} أي قدام المطر لأنه ريح ثم سحاب ثم مطر وهذه استعارة مليحة {وَأَنزَلْنَا مِنَ السماء مَاء} مطراً {طَهُوراً} بليغاً في طهارته. والطهور صفة كقولك (ماء طهور) أي طاهر، واسم كقولك لما يتطهر به طهور كالوضوء والوقود لما يتوضأ به وتوقد به النار، ومصدر بمعنى التطهر كقولك تطهرت طهوراً حسناً ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: «لا صلاة إلا بطهور» أي بطهارة. وما حكي عن ثعلب هو ما كان طاهراً في نفسه مطهراً لغيره وهو مذهب الشافعي رحمه الله تعالى إن كان هذا بيان زيادة الطهارة فحسن ويعضده قوله تعالى: {وَيُنَزّلُ عَلَيْكُم مّن السماء مَاء لّيُطَهّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] وإلا فليس فعول من التفعيل في شيء، وقياسه على ما هو مشتق من الأفعال المتعدية كقطوع ومنوع غير سديد لأن بناء الفعول للمبالغة، فإن كان الفعل متعدياً فالفعول متعد وإن كان لازماً فلازم.


{لّنُحْيِىَ بِهِ} بالمطر {بَلْدَةً مَّيْتاً} ذكّر {ميتاً} على إرادة البلد أو المكان {وَنُسْقِيَهِ مِمَّا خَلَقْنَا أنعاما وَأَنَاسِىَّ كَثِيراً} أي ونسقي الماء البهائم والناس. و{مما خلقنا} حال من {أنعاماً وأناسي} أي أنعاماً وأناسي. مما خلقنا. وسقى أو أسقى لغتان. وقرأ المفضل والبرجمي {ونسقيه} والأناسي جمع إنسي على القياس ككرسي وكراسي، أو إنسان وأصله أناسين كسرحان وسراحين فأبدلت النون ياء وأدغمت. وقدم إحياء الأرض على سقي الأنعام والأناسي لأن حياتها سبب لحياتهما، وتخصيص الأنعام من الحيوان الشارب لأن عامة منافع الأناسي متعلقة بها فكأن الإنعام عليها بسقي الإنعام كالأنعام بسقيهم، وتنكير الأنعام والأناسي ووصفها بالكثرة لأن أكثر الناس منيخون بالقرب من الأودية والأنهار فيهم غنية عن سقي السماء وأعقابهم وبقاياهم كثير يعيشون بما ينزل الله من رحمته، وتنكير البلدة لأنه يريد بعض بلاد هؤلاء المتبعدين عن مظان الماء. ولما سقي الأناسي من جملة ما أنزل له الماء وصفه بالطهور إكراماً لهم، وبيان أن من حقهم أن يؤثروا الطهارة في بواطنهم وظواهرهم لأن الطهورية شرط الإحياء.
{وَلَقَدْ صرفناه بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ} {ليذكروا} حمزة وعلي يريد ولقد صرفنا هذا القول بين الناس في القرآن وفي سائر الكتب المنزلة على الرسل، وهو ذكر إنشاء السحاب وإنزال القطر ليتفكروا ويعتبروا ويعرفوا حق النعمة فيه فيشكروا {فأبى أَكْثَرُ الناس إِلاَّ كُفُورًا} فأبى أكثرهم إلا كفران النعمة وجحودها وقلة الاكتراث لها. أو صرفنا المطر بينهم في البلدان المختلفة والأوقات المتغايرة وعلى الصفات المتفاوتة من وابل وطل وجود ورذاذ وديمة، فأبوا إلا الكفور وأن يقولوا مطرنا بنوء كذا ولا يذكروا صنع الله تعالى ورحمته. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ما من عام أقل مطراً من عام ولكن الله يصرفه حيث يشاء وقرأ الآية. وروي أن الملائكة يعرفون عدد المطر ومقداره في كل عام لأنه لا يختلف ولكن يختلف فيه البلاد، وينتزع من هنا جواب في تنكير البلدة والأنعام والأناسي. ومن نسب الأمطار إلى الأنواء وجحد أن تكون هي والأنواء من خلق الله تعالى كفر، وإن رأى أن الله تعالى خالقها وقد نصب الأنواء أمارات ودلالات عليها لم يكفر.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9